Sunday 25 March 2012

بيـــوتــان

اليوم الخميس السابع من يناير للعام 2009...الساعة تجاوز الخامسة صباحا و هى مازالت مستيقظة..إنه ذلك الأرق الكريه الذى لازمها منذ سنوات...الإرهاق يلون وجهها و عالمها بأكمله لذا تأخذ قرارها و تذهب إلى المطبخ لتعد كوبا صغيرا من القهوة...القهوة تساعدها على نوم هادئ و سريع كذلك...فكيمياء جسدها صارت أشبه بتكييف هواء عطبت ثرموستاته

تتخفف قليلا من ثيابها و تندس تحت الغطاء الثقيل...تتصنع النوم قليلا ثم تضرب الغطاء بعيدا...يتمسح النوم بقدميها كهر أليف فتعيد الإختفاء تحت الغطاء مرة أخرى....عشر دقائق تمضى بعدها يراودها شعور السقوط الذى يصاحب بداية النوم...ثم ذلك الضغط العنيف على ركبتيها

تعلم جيدا أنها زيارة الجاثوم شبه اليومية لذا توفر على نفسها الهلع....فهى لا تملك ترف أن تضيع دقائق أخرى فى محاولة الإستيقاظ...ثم دقائق غيرها لتستعيد روعها

تقرر...ستترك نفسها اليوم للجاثوم لترى ما فى جعبته من كوابيس...حتما سيكون الفيلم مسلى...فالوغد دوما مبتكر إلى أبعد الحدود

أنفاسها تتثاقل و تبدأ أولى شرائح العرض...خالد يبتسم و يربت على كتفها ثم والدتها تصنع كوبا من الينسون فى المطبخ...صديقاتها فى الجامعة يضحكون حولها فى مرح

كل هذا طبيعى ....بل منعش لروحها إن جاز التعبير

الشريحة الثانية....تجد نفسها عائدة من المدرسة الإبتدائية و شئ ما يحدثها بألا تصدر ضجة كعادتها عند دخولها إلى المنزل...تجد الباب مفتوح فتنسل إلى الداخل متوجهة إلى غرفة أمها

يدا عمها تحكم النطاق على فم و أنف أمها بقطعة قماش ....أمها تحاول الفكاك و لكن لا فائدة فعمها ذو جثة ضخمة...تجحط عينى أمها و تتوقف عن التنفس فى هدوء...يلقى الرجل أمها  على الأرض و ينظر ناحية فرجة الباب فى شك ثم يخرج ذلك الصندوق
من أسفل السرير ليأخذ منه ورقة ما و يخفيها فى جيبه و هو يسب أمها و أبيها الراحل بأقذع النعوت

أنفاسها تتثاقل أكثر...

تجرى هى ناحية المطبخ لتختفى عن عينى الرجل...و يغادر عمها الشقة و هو يتلفت حوله

تذهب ناحية غرفة أمها و هى ترتعد غير فاهمة معنى المشهد الذى رأته لتوها....تجثو بجوار أمها و هى تكلمها ...ماما ماما انتى نمتى؟...و لا جواب من الأم

الثقل يزداد ....

تبدأ فى البكاء و الصراخ...جيران متطفلين....شرطة...إعتراف طفولى صادق ملئ بالدموع و المخاط.....العم ينكر فى إصرار و هو يكرر يخرب بيت الأفلام اللى بوظّت دماغ عيالنا..ينظر لها و عينيه يتطاير منها الشرر قائلا بقى عمو حبيبك يعمل كده يا هلا؟ إخص عليكى...الشرطة تغلق التحقيق ...الوفاة طبيعية

الشريحة الثالثة....تتحرك فى شقة عمها بحذر حاملة تلك الزجاجة التى أفرغتها من العطر و ملأتها بالبيوتان...نتيجة الحائط تشير إلى أن اليوم هو الرابع من يناير للعام 2009...يفاجئها عمها بسكين...طعنة فى كتفها تعقبها رشة مطولة للبيوتان منها فى وجهه...فى ثوان تجمد البيوتان فى حلقه مما أدى إلى موته سريعا قبل أن يدرك ذلك

تتحامل على نفسها...تأخذ السكين..تنظف الأرض جيدا من دمائها....نظرة فاحصة سريعة على الشقة و تغادرها فى سرعة

الشريحة الرابعة....رنين طويل مزعج للتليفون...جار لعمها يتصنع الحزن و يبلغها بإصابته بأزمة قلبية

الشريحة الخامسة....ثياب سوداء...عزاء....ثم إظلام تام

تستيقظ غارقة فى العرق البارد.....لم تتعوذ بالله من الشيطان الرجيم....فالجاثوم هذه المرة لم يعرض عليها كابوسا شنيعا
فحسب....الوغد أسهب فى عرض الماضى فى زمن لم يتعد الساعة و نصف

تعدل من وضع جسدها فتجد الوسادة مبللة بكم مخيف من الدماء...تنهض من السرير متجهة إلى دورة المياه...تأخذ حماما مطولا يغسل عن كتفها دمائه و عن رأسها ذكرياته

تعيد تضميد كتفها من جديد....و ترتدى ثيابها...تأخذ أدويتها اليومية و تعد لنفسها إفطارا يتكون من القهوة و بعض المعجنات التى لا طعم لها

الساعة قد جاوزت الثامنة أخيرا....تتأمل هيئتها فى المرآه و ترفع أصابعها راسمة على شفتيها إبتسامة الخروج إلى الشارع

هى اليوم بعكس كل الأيام الماضية....راضية مرضية

Monday 12 March 2012

..عن الطبطبة -إياها- أتحدث

الهاتف يدق فى إصرار عجيب....أتجاهله و أتسلى بشرب بعض الماء لأجده يزداد إصرارا....مشكلتى أننى عندما أستيقظ من النوم أكون شخصية غير مبالية بأى شئ لمدة تقارب النصف ساعة....أرفع السماعة فى ضيق لأجدها إحدى صديقاتى القدامى....أقول قدامى لأن هناك بعض الأشخاص الذين فى فترة ما من حياتك تتوقف عن أن تعتبرهم أصدقاء و تبدأ فى إعتبارهم من المعارف الذين قد تتصل بهم فى المناسبات أو قد لا تفعل.......نتحادث قليلا ثم ننهى المكالمة على وعد بلقاء أعرف جيدا أنه لن يتم

أجلس قليلا لأسترجع بعض هدوء نفسى الذى طار شعاعا مع رنات الهاتف المثيرة للهلع هذه...أسترجع يوما واحدا لا أعلم لم تحافظ عليه ذاكرتى بإستماتة إلى هذا الحد

الثانى و العشرون من مارس لعام 2010...فى تمام الساعة الثالثة عصرا أمام مسجد صغير بالمهندسين..كنت قد انتهيت لتوى من صلاة العصر و تجدنى أقف كقملة وحيده فى رأس أصلع أوثق رباط حذائى

لا أخفى عليكم أننى يومها كنت أحاول أن أوثق رباط روحى مع رباط حذائى....كانت روحى المسكينة تائهة تماما بين جنبات ضلوعى..نصفها معى و نصفها الآخر يرقد فى غرفة عمليات بالطابق الرابع بمستشفى قريب لجراحات القلب

أقف هناك أتنسم الهواء و أصلح من وضع ثيابى لأفاجئ بطبطبة على كتفى..أرفع وجهى لأجد إبتسامة مطمئنة من سيده أعلم جيدا أنها كانت بجانبى و أنا أصلى...تهم بعدها لتغادر ساحة المسجد

أقف هناك مشدوهة قليلا و على وجهى إبتسامة مازالت ذكراها تمتلك القدرة على إنعاش نفسى

أعود إلى المشفى أفضل حالا لأجد أن أمى قد خرجت معافاه من غرفة العمليات

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملحوظة على جنب

التدوينة دى إهداء للست اللى عمرى ما هنسى ملامحها و يمكن عمرى ما هقابلها تانى
التدوينة دى شكر لملاذ الأرواح المتعبة...الإله الرحيم
التدوينة دى فضفضة عشان يوم 22 قرب 

Friday 9 March 2012

..جريمة لا يعاقب عليها قانون

من يحتاج ورقة طبع عليها وجه أحدهم فى حين أن تلافيف القلب تحمل الصورة كاملة...لطالما قالها لنفسه..حينما رآها اليوم لم يسائل نفسه مرتين هل هى هى....أم أنها أخرى

تقف هناك برقتها المعهودة تنقد بائع الجرائد ثمن المجلة التى ابتاعتها....رقة تدفعك لأن تتسمر فى مكانك كصنم

 السيمفونية الخامسة لبيتهوفين تهمس فى أذنه بإصرار و تداعب يده الباردة سكينه الصغير الذى صار لا يفارق جيب معطفه الأسود بينما يسير نحوها فى خطوات ثابتة جعلتها تتنبه لوجوده بطريقة ما

هى: إزيك؟
هو: تمام...انتى عاملة إيه؟
هى: كويسه..الاسبوع كان طويل..أخبار شغلك إيه؟
هو: على فكرة حوارنا ده مالوش أى لازمة...بلاش تحضر فارغ
هى: مش معنى طلاقنا إننا
هو: طيب بس

يفارقها و يده هى الأخرى قد فارقت جيب معطفه الذى يحوى السكين....فالقتل المادى لم يعد شهيا...القتل المعنوى صار أشهى..سيدفنها هناك فى ذكرياته...نعم سيفعل!....يوما ما سيفعل