Sunday 14 October 2012

تــــاكســى

صوت أزيز مصباح النيون يزيد من إنكماشها فى المقعد الجلدى الذى لم يتبق من ظهره سوى قطعة خشبية ارتكزت فى منتصف ظهرها مسببة ألم لم تكترث به كثيرا.

"تراقب الأمين و هو يحادث الظابط فى هاتفه المحمول"أيوه يا باشا جابوها من نص ساعة
"...يصمت الأمين قليلا ثم يرفع صوته ب"حا...حاضر يا باشا..تحت أمر معاليك..اتفضل...مع السلامة..مع السلامة..مع "السلا

قومى يا ستى..حضرة الظابط أمر ندخلك المكتب..
 فتحت فم اعتلته قشور بيضاء : فين؟
هنعملك إيه يعنى؟...مش وقت الخوف...كان الأولى تخافى لما عملتى عملتك -
أهو سيادة الباشا هيتصرف معاكى -

قدماها ترتعدان من أسفلها فتجعل خطواتها أشبه بخطوات المحكوم عليهم بالإعدام..يدخلها الرجل إلى الغرفة و يغلق الباب ليتركها وحيده..تجلس فى مقابلة مكتب الضابط الذى لم يأت بعد لتكمل إرتعاشها الذى قطعه الأمين حينما طلب منها أن تأتى معه

 يُفتح باب الغرفة ليطل منه شاب فارع القامة ذو وجه مريح بالرغم من حده نظراته... الضابط الذى طال إنتظاره قد أتى أخيرا كما يبدو

سلامو عليكو..هو ما حدش جابلك حاجة تشربيها لسه !؟؟ -
يفتح الباب زاعقا" فى إيه يا بهايم!؟...هو أنا ما قلتش تجيبولها بطانية و حاجة دافية و لا انتوا بتسمعوا اللى على مزاجكوا"

يقطع الغرفة فى روية أمامها جيئة و ذهابا مما يفقدها أعصابها و يجعلها تفتح فمها لتتكلم فيسكتها باشارة من يده : هنتكلم و نقول كل حاجة دلوقتى...بس أشوف آخرتها مع البهايم دول إيه


طرقات خفيفة على الباب توقفه عن الحركة لتوجه نظره ناحيته ...
"يُفتح الباب ليطل من فرجته عسكرى ريفى ذو وجه ممتقع " الحاجة يا باشا

!يعنى هاجى أخدها بنفسى ؟...إدخل إديهم للآنسة يالّا...إخلص

"!!لحظات ثقيلة مرت قبل أن يزعق مجددا..."إطلع بره يا سيدى...انت لسه هتقعد مبحلقلى


يجلب كرسى خشبى من ركن الغرفة ليضعه عكسيا فى مواجهتها ..يجلس ثم يعقد يديه أسفل ذقنه  ثم يسمح لملامحه أن تكتسى
ببعض من الود قبل أن يقول..."ها..إحكى..أنا سامع"

بليــــك !...لا إراديا تسقط منها دمعة فى كوب النعناع الذى حملته بين راحتيها ...تهز رأسها كما لو أنها أفاقت لتوها من غيبوبة ثم يبدأ الصوت فى الخروج من حنجرتها مكتسى بحشرجة لم تجاهد لكى تخفيها

كل اللى حصل إنى ركبت تاكسى !....كنت عايزه أروح عند أمى أزورها فنزلت آخد تاكسى من على ناصية الشارع..قلتله المنيل قاللى ماشى..قعدت فى الكنبة اللى ورا...كان شكله عادى....بس كان ريحة العربية غريبة شويه... ريحة قهوة كده على ورق محروق

"يقاطعها الضابط " حشيش

ما اعرفش ...بس كان فى حاجة كده جنب علبة المناديل شبه النوته الصغيرة..نوتة صغيرة أوى

مشينا شوية و حسيت إنه بيعدل المرايه زيادة عن اللزوم...اتهيألى أكتر من مرة إنه كان بيبصلى بس كنت بقول ملوش لازمة
الرعب..يمكن بيبص ع الطريق

تزم شفتيها محاولة ألا تتذكر و تصلح من وضع البطانية على كتفيها ثم تكمل " شوية و ابتدا يتكلم بصوت واطى...ما كنتش عارفة أميز هو بيقول إيه بس كنت ابتديت أقلق..شوية و وطى الأغانى اللى كان مشغلها و صوته ابتدا يعلى...ابتديت أسمعه "
من جديد تبدأ سيمفونية البليك فى الكوب الذى تحمله...سيمفونية عالية و متواترة دفعت الضابط لأن يخرج بعض المناديل من جيبه و يضعها أمامها

جسمى ساب من الرعب...ما كنتش عارفة أعمل إيه...الكلام اللى سمعته كان فعلا أوسخ كلام سمعته فى حياتى...لاقيت سينتر لوك العربية بيتقفل و العربية بتحود من شارع أنا ما اعرفوش....ما عرفتش أعمل إيه..لاقيت ايدى بتتمد جوه الشنطة ..طلعت سكينة صغيرة كنت بقالى فترة بشيلها معايا لأسوأ الظروف..ابتسمت له فى المرايه و اتزحزحت شويه فى الكنبة لحد ما بقيت فى نصها تقريبا

"تتوقف دموعها ثم تهمس بنصف إبتسامة..." ما هديتش إلا لما لاقيت الدم بيطرطش من رقيته على قميصه اللبنى