Thursday 12 September 2013

الغــريب

أقف على سطح منزلى بجوار شخص ما يلقى قنابل الغاز على المارة

انت بتعمل إيه؟.. أسأله فى فزع فيرد فى عصبية " مش أحسن ما أرميها عليكى؟". أصمت عندما أوقن أن منطقه لا يقبل النقاش و أن احتراق قفا أحد المارة أفضل بكثير من احتراق قفاى

انت جبت القنبلة دى منين أصلا؟.. أعود لأسأله فى حيرة هذه المرة فيرد فى نفاذ صبر " أنا ماليش دعوة...أنا بنفذ اللى بتقوليلى عليه".. يلاحظ اضطرابى فيربت على كتفى و يمنحنى ابتسامة تعنى أن كل الأمور ستصير على ما يرام

يمسك بيدى ثم يساعدنى على القفز من فوق السور  ثم يقفز بعدى لنهبط سويا على الأرض.. كراسى الصالون نبيذية اللون كانت تنتظرنا فى الأسفل أمام باب المنزل، 
يتخير أحدها ثم يجلس مكوما أحد ساقيه أسفل جسده

اقعدى
.. يقولها آمرا فأمتثل

يعطينى أحد أقراص السيبتازول.. يلحظ على الفور علامات عدم الفهم على وجهى.. فيشير إلى عنقى و هو يقول "زورك!...هتصحى من النوم تعبانة.. خديه عشان ما تقعديش تدورى لمّا تصحى" ..أشكره ثم أبتلع القرص مر الطعم و أحدق فى الفراغ ساهمة

يبزغ الهاتف الضخم مكان الشمس لمدة دقائق و هو يرن فى عصبية .تخرج يد أمى من السماء لترفع السماعة ثم تغلقها مرة أخرى فى وجه المتصل.. أبتسم ليدها فى امتنان فتشير أصابعها لى بما يعنى أن كله تمام

أمك ست طيبة
.. يقولها الغريب فأهز رأسى فى موافقة و أنا أجول بعينى فى المكان الذى تحول فجأة إلى مدرستى الابتدائية

يسألنى الغريب فى لطف أن أستيقظ لأشرب بعض الماء و يخبرنى بأنه سينتظرنى حتى أعود

أستيقظ... الساعة الثانية ظهرا.. تماما كما قال الغريب .. حلقى يؤلمنى و أذنى اليسرى تطن.. "يا رب دور البرد يجى و يبطل يرازينى كده".. فى سأم اتناول زجاجة الماء و أشرب نصفها ثم أعود مرة أخرى تحت الغطاء. لا يصح أن أتركه منتظرا

كراسى الصالون من جديد لكنها متراصة فى دائرة على قمة جبل ما فى وسط العمارات السكنية.. دقيقة أو أقل و أجده بجوارى. الغريب يرتدى جلبابا أزرق و شعره قصير للغاية، يكاد يكون غير موجود. ملامحه غير واضحة و تتبدل بين اللحظة و الأخرى لكن وجهه مريح إلى حد كبير

نتقاسم الصمت ثم أشكره على تنبيهه لى بأن حلقى ليس سليما. فيبتسم بنصف وجهه الأيسر ثم يخبرنى بالكثير من الكلام عن الإنعكاس للنفس و انعكاس الواقع على الأحلام

أخبره أنه يبدو لى حقيقيا أكثر من الواقع فيبتسم فى مجاملة ثم يهبط من على المقعد فى طريقه إلى سفح الجبل

أقرر أن أغير المشهد قليلا.. لأجدنى جالسة فى منتصف البحر على الماء و الغريب جالس إلى جوارى فى بؤس

مالك يا عم؟.. أسأله و أنا أعابث الماء بأصابعى.. "ما أعرفش" يقولها ثم يحرك رأسه يمنة و يسرة فى تفكر ثم يبدأ فى الكلام. كلامه غير مترابط و تقطعه الكثير من الأصوات التى تنادينى لأستيقظ

تتوقف الأصوات فجأة ثم تهمس فى شفقة بأننى أبدو مرهقة و يجب أن أترك و شأنى و يعود صوته لاكتساب الوضوح من جديد.

تعرفى؟.. كل اللى زعلان منه حاجات منطقية و متوقعة. خيبات أمل عادية فالحكى عنها ترف و شكاوى فارغة بتفقد معناها أول ما تخرج من حنجرتك.. و عشان كده أنا لازم أسكت

أنظر له فى تقدير ثم اؤثر ألا أعلق على ما قال.

أجده يعابث جيب جلبابه ثم يخرج ورقة مطوية عدة مرات و يسألنى ألا أقرأها إلا بعدما يختفى.. أحاول أن أستبقيه فيتبخر فى لحظات

."الورقة فى يدى و لا أثر للرجل فى أى مكان.. أفتح طياتها لأجدها لا تقول سوى "و إلى ربك فارغب

Monday 2 September 2013

تسجيل حالة

إكوى الطرحة.. يلقيها على سمعى إنعكاسى فى المرآة بينما يكمل عد النقود و يضعها فى حقيبتى
تؤ.. أقولها فى لا مبالاة و أنا أضع قطعة من اللبان فى فمى بينما أحاول غلق سوستة الحقيبة بيد واحدة

يستدرك إنعكاسى فى المرآة قبل أن أغادر الغرفة " قوليلى كده، هو اللى بيزمر بيخبى دقنه؟".أحك رأسى فى شك و أنا أتساءل عن مدى جدوى السؤال و ما مناسبته أصلا ثم أرد بملل "لأ.. ما أظنش و مش وقته..انت هتفضل قاعد فى المراية كتير ولاّ هتنزل معايا؟".. يبتسم بخبث ثم يكمل "لأ جاى أهو..مش هينفع أسيبك تنزلى لوحدك كده" نلتحم سويا ثم نغادر الغرفة فى الطريق إلى الخارج

لعنة الله على المشاوير التى يجب أن تقوم بها. أكرهها فى حالتى العادية. فما بالك و أنا أمتلك من المزاج المتعكر ما يكفينى لعامين و نصف

يقابلنى أبى فى طريقى للخروج.. يحمل بيده شئ ما.. يشرق وجهه حين يرانى "جبتلك لمبة صفرا.. عارف إن النيون مضايقك" .. أشكره بابتسامة واسعة ليسألنى "خارجة؟" .."آه هخلص حاجات و أتمشى مع نفسى شويه كده".. "طيب ما تتأخ...". يتوقف عن الكلام حين يجد أن ابتسامتى الواسعة فى طريقها للتحول لابتسامة جانبية

صرت ممتنة فى العام الأخير لحقيقة أننى لم أعد فى حاجة للاستئذان قبل خروجى من المنزل.. و صرت ممتنة أكثر لحقيقة إنه ماليش مواعيد أرجع فيها البيت.. صار كل الأمر عائدا لمدى "شياكتى" فى التعامل مع أمى و أبى.. صار بيننا إتفاقا ضمنيا ..لا أحرق أعصابهم و فى المقابل لا يخبروننى ماذا أفعل

أنا أكبَر و هم يصغرون .. تماما كما قلت يا رب

الشارع للمرة الثانية فى يوم واحد .. برودة لطيفة فى الجو، اقتربنا خطوة من الشتاء كما هو واضح.. فوقفات الشرفة الليلية لم يعد يكفيها الشال الخفيف. و النمل فى حالة جنون التخزين التى تصيبه فى نهايات الصيف. العناكب بدأت تظهر على استحياء. و كذا قططى بدأ فروها يثقل بعض الشئ .و لهذا أنا ممتنة


أنهى مشوارى فى زمن قياسى و أجدنى للمرة الثانية فى أقل من ستة أشهر أقف أمام الكوافير أطقطق بحذائى و أدور حول نفسى .."أقص شعرى ولاّ بلاش؟".يظهر إنعكاسى فى الواجهة الزجاجية و هو يبتسم بلطف غير معهود "قصيه و دلوقتى حالا و إلا هتفضلى مترددة طول عمرك". "نأجلها لحد ما أتأكد؟".. تتسع ابتسامته اللطيفة ليخبرنى بأنه "هاسيبك براحتك المرة دى.. بس يوم ما أقرر مش هتقولى لأ تانى".. أرد باستسلام "ماشى". أقف لحظات لأتأمل نحولى فى واجهة المحل ثم أطرد الأفكار المقلقة التى غزت رأسى و أقرر أن أعرج على معرض الكتب فى الشارع الموازى


أتخفف من توترى و ضيقى على الباب.. أتركه بجانب ستاند كتب إبراهيم الفقى و كريم الشاذلى و الرجال من ما أعرفش فين و الستات منين .. أتركه تحديدا إلى جوار كتاب "لماذا لا يتزوج الرجال إلا المزعجات!؟" .."ما هو الحاجات اللى تعكنن ما تتسابش إلا جنب الحاجات اللى تعكنن" أقولها بصوت عال فى محاولة لأن "أفرفش" نفسى

أجول كالبلهاء بالداخل.. الكتب دوما تريح أعصابى و تجعلنى سعيدة ببلاهة. أمسك بنفسى أكثر من مرة و أنا أفكر فى استئذان القائم على المعرض فى إنى أبات هنا و حياة أبوه

أتسلى بمراقبة رجل و زوجته يدوران حول كتب السعادة الزوجية -مش اللى هى بتاعه إحنا جوز عصافير لأ..التانيه- على استحياء .. أبتسم فى خبث ثم أذهب لتفقد الحامل فى تناحة ..تختفى ابتسامتى الخبيثة بعد قليل ليحل محلها التجهم و الشعور بالأسى لحالهم

أتخير بعض الكتب و أنقد الرجل ثمنها و أخرج شاعرة ببعض التحسن.. الكتب عندها إيد افتراضية بتطبطب بيها على كتفك.. عندها كمان لسان تخيلى بترغى بيه معاك و انتوا مروحين البيت سوا

تاكسى آخر و لكن هذه المرة إلى البيت

انعكاسى يتقافز أمامى على زجاج النافذه .. أزفر ب"اوف.. مش هنخلص النهارده؟" .. يتطلع إلى السائق فى المرآة " بتقولى حاجة يا آنسة؟"..أتمتم ب"لأ مفيش حاجة" . يتسلل إنعكاسى كثعبان الجرس ليواجهنى و يعيد سؤاله " ما كملناش بقا.. اللى بيزمر بيخبى دقنه؟"..."يا سيدى أحيانا بيحاول..كنوع من أنواع الحماية للناس اللى بيحبهم و لنفسه..بس إنه يخبيها بمعنى يخفيها فلأ طبعا، أكيد هيفشل يعنى" ... يتظاهر انعكاسى بالشرود " ممممممم"...يوقن بعد فترة أنه لا فائدة من محاولة استفزازى اليوم فيصمت ليراقب الطريق ثم يلتحم معى من جديد حينما أدس رأسى فى أحد الكتب