Tuesday 8 April 2014

حكاية سامـى

الوقت يمر ببطء ممزق للأعصاب. الأيام ممسكة فى ذيول بعضها البعض، تتلاحق بعصبية و سرعة لا أعرف كيف أصفها سوى بأنها بطيئة

أحمد يلوح لى من بعيد و يشير إلى أذنى و هو يحرك شفتيه بما يشبه السبة..أكاد أقسم أن هناك كلمة أمك فيما يقول. أعيد تثبيت السماعة إلى أذنى اليمنى لتعود الضوضاء من جديد.

ركب أم الزفتة دى فى ودنك .. إحنا فى محل أكل عيش يابا و عايزين نسمع بعضينا" قالها لى أحمد و هو ممتعض"
أرد بربع ابتسامة و أنهض إلى الواجهة الزجاجية لأغير الملابس الموجودة على دمى العرض. وحيدون جدا. باردون للغاية و لا يمانعون الوقوف لساعات طويلة فى انتظار زبون يبدى اعجابه بقطعة ملابس يرتدونها ثم يدخل إلى المحل ليساومنا على سعرها و يمضى ساخطا لأن البضاعة شايطة أو غالية الثمن أو لأنه كان يريد مساكشتنا لا أكثر

سامى الأطرش.. هكذا عرفت نفسى منذ الصغر. أذن ميتة تماما و أذن مقياس سمعها ضعيف للغاية و سماعة أذن أخلعها عن أذنى طوال اليوم تقريبا و ملامح لطالما وصفتها أمى بالبلهاء قليلا

فى الأوقات القليلة التى لا أمل فيها سماع الأصوات و الضجيج أستمع إلى الموسيقى. جميلة أو هكذا أظن. أشك فى أن الآخرين يسمعونها و يفهمونها بنفس الطريقة التى أفهمها بها. لابد أن السمع بكلتى الاذنين أمر مبهر .. يقولون أن السمع أهم بكثير من البصر
برغم هذا، أنا غير مهتم على الإطلاق بأن أسمع شيئا.. لا أعتقد أن حياتى ستتغير كثيرا إن امتلكت سمعا جيدا. لن أصبح أذكى، أوسم أو أوفر حظا.. ربما وقتها سأكتسب سمعة أخرى كسامى الأهطل

أصبحت الدمى أكثر حياة من المارة فى الشارع بعد أن ارتدت الملابس الجديدة.. أتطلع إلى ساعتى، بعد الثامنة بقليل. ألوح لأحمد مودعا و أخلع سماعة أذنى من جديد على باب المحل

ميعاد العمل الآخر! و لكنى لن أذهب اليوم.. سأمضى الليلة إما سائحا فى شوارع جديدة لم آلفها من قبل أو على قهوة ما

أصدقاء؟ لا أمتلك منهم و لو حتى واحدا.. لا أعرف سببا واضحا و لكنى أرجح أن الأمر عائد لأننى أرفض السمع معظم الوقت و كذا لا أجيد الكلام

كلا، لنكن صرحاء.. أمتلك صديقا واحدا ربما. كلب قذر صغير الحجم يقطن فى مدخل المنزل الذى أعيش فيه. يقايضنى بصبصة الذيل و التشبث ببنطالى أمام اللقيمات الجافة التى أضعها له يوميا.

قادتنى ساقاى فى أقل من ثلث ساعة إلى المنزل.. يبدو أننى لن أنفذ أيا من خطط اليوم، أبتاع بعض اللحم البارد و كيسين من الشامبو من البقال المجاور للمنزل لألقاه على الباب منتظرا فى صبر

أشير له بأن يأتى معى ..فيتبعنى صاغرا.

أعيد تركيب السماعات لأتأكد من أن الجملة ستخرج سليمة و أخاطبه "الحمام الأول" . يبدو عليه عدم الفهم و يقف متحيرا قليلا فأحمله حملا إلى الحمام و أشرع فى تحميمه  ، لم يمانع كل الماء الذى صببته عليه ولا كل الرغوة التى كست جسده النحيل. نصف ساعة و حصلت على كلب أنظف قليلا من ذى قبل

وضعت أمامه بعض اللحم البارد و دسست لنفسى بضع قطع فى رغيف خبز و تجاورنا نأكل على الأريكة الوحيدة التى انتصبت فى منتصف الغرفة تماما أمام التلفاز الذى أشك فى انه ما زال يعمل

حمدت الله كثيرا على أن أمى قد ماتت منذ أعوام، كانت ستقول كلاما كثيرا عن البراغيث أنا فى غنى عنه



No comments: