Tuesday 19 July 2011

فلاش بـــــاك

شوب شوب شوب.......تنصت فى صبر إلى صوت ضربات فرشاة أسنانها المتتالية و ذكرى ذاك اليوم لا تفارق مخيلتها أبدا...يوم عيد زواجها الرابع....تتذكر أحداث ذاك اليوم جيدا كأنه كان بالأمس بالرغم من مرور ما يقرب من العامين عليه

تتذكر مكالمة التاسعة صباحا التى تلت خروج زوجها إلى عمله...تتذكر زيارتها السريعة لشقتها فى التجمع الخامس...تتذكر صوته الرخيم و هو يهمس فى أذنها بكل سنة و أنتى طيبة قبلما يغادر المنزل...و تتذكر جيدا لون طلاء أظافرها فى هذا اليوم و كيف أن أصابعها بدت كأصابع الدمى على مفاتيح الموقد الأنيقة.... تتذكر خروجها بسيارتها فى زيارة إلى إحدى الصيدليات...تتذكر كذلك إبتسامة زوجها عندما عاد من الخارج ليجدها فى أبهى صورها

تتذكر بوضوح نهمه و هو يتناول وجبته المفضلة....البامية

تتذكر مكالمتها الدامعة للإسعاف

تتذكر ما قاله تقرير الوفاة حرفيا....هبوط حاد فى الدورة الدموية....ولا توجد شبهة جنائية للوفاة

تتذكر كيف بكت كثيرا و قت دفنه و كيف قالت لأسرته كلاما مختلطا على غرار...ده أنا كنت عاملاله البامية اللى بيحبها...ده قاللى
كل سنة و أنتى طيبة قبل ما ينزل

-----------------------

تفووووه....و قبلما تبدأ فى غسيل آثار المعجون من فمها تتذكر جيدا تفاصيل مكالمة التاسعة صباحا و ما تلاها من أحداث

بطلتنا: آلو
الطرف الآخر: جوزك اللى انتى فاكراه رايح شغله....رايح شقة التجمع الخامس يقابل عشيقته...و دى مش أول مرة
بطلتنا: إيه الكلام اللى انت بتقوله ده....مين معايا؟؟
الطرف الآخر: مش مصدقانى...مشوار صغير لحد هناك و اتأكدى بنفسك
ينهى المكالمة قبل أن يعطيها فرصة لتنطق

بواب العمارة: يا مرحب يا ست لبنى....ده الأستاذ منير عند الست هالة فوق ...مبتجيش تزوريها ليه؟؟...مش أختك دى يا ست لبنى  ولا يعنى عشان متطلقة؟؟
لبنى: متتدخلش فى اللى ملكش فيه يا عم أحمد.....خد الفلوس دى و متقولش للأستاذ منير إنى جيت...أنا هبقى آجى أزور هالة لوحدى وقت تانى
عم أحمد: عنيا يا ست لبنى...ربنا يحنن القلوب على بعض

 سبع أقراص من الديجيتاليز مطحونة جيدا فى طبق الباميه هو بالضبط كل ما تطلبه الأمر لقتله......فعلتها لبنى و هى فى كامل وعيها و هدوئها ...الحقيقة أنه قد أصابها بعض الهلع عندما وجدته يموت فعليا أمامها فآثرت الإبتعاد عن الغرفة حتى ينتهى الجانب المخيف المثير للشفقة ....لحسن حظها انتهى الأمر سريعا و بدون نقطة دماء واحدة بعدها كان عليها فقط أن تهاتف الإسعاف و تخبرهم بأن زوجها واقع على الأرض و مبينطقش... لم يكن عليها أن تتصنع البكاء أو الإرتباك فلقد كانا حقيقيين

تنهى غسيل فمها و تتطلع لوجهها عفويا فى المرآه.....ليقابلها إنعكاسها بعينين منهكتين قليلا و إبتسامة قاسية مسترخية على شفتيها الرفيعتين





Monday 4 July 2011

حكاية مـــى

اليوم هو الإثتين....إذا فهو يوم الإقلاع عن التدخين و لكن بعد هذه السيجارة.....لطالما حدثوها عن مذاق سيجارة الإقلاع...يقولون إنك إن لم تعد مرة أخرى للتدخين بسببها فاعتبر نفسك بطلا من نوع ما....هكذا خرجت إلى الشرفة و أخذت تدخنها فى هدوء...-هى لم تدخن فى الشرفة من قبل بالمناسبة-... بعد قليل تخرج جارتها ليلى لتنشر الغسيل كعادتها فى الصباح الباكر

تحييها بطلتنا بهزة رأس ممزوجة بابتسامة لا عاطفة وراءها و هى مازالت تدخن....تتسع عينا ليلى فى ذهول ممزوج بنظرة إشمئزاز و كأنما رأت لتوها صرصورا
تنهى سيجارتها حينما تزداد حدة الآلام المعتادة....تدلف إلى غرفتها لتبحث عن مسكن ما للآلام فى صبر يتحول إلى هلع حينما تجد أنه قد نفذ..تمسك بهاتفها المحمول

مى : أيوه يا كريم....هاتلى حاجة للترجيع و الترامادول بسرعة
كريم: يا بنتى مش هتبطلى اللى انتى بتعمليه ده
مى: كريم...انت شايف إن ده وقته يعنى
كريم: خلاص خلاص....ربع ساعة و هكون عندك إقعدى على أرضية الحمام و متقوميش من مكانك ....ماشى؟؟
مى: بسرعة بس يا كريم

 تذهب إلى الحمام و الدوار يغالبها ثم تجلس هناك لتنتظر نوبة القئ المعتادة.....خمسة عشرة دقيقة كالجحيم مضت و لم يأت كريم بعد....دقائق تسمع بعدها صوت مفتاح يدار فى الكالون ويأتيها كريم هرولة

كريم: إيه يا مى....مش قلتلك لما يخلص الترامادول من عندك تقولى
مى: إدينى الحقنة بس يا كريم يعدين نتكلم
يستريح وجه مى نسبيا بعد الحقن
كريم: قومى معايا عشان ترتاحى شوية


تستند إلى كتفه حتى يصلا إلى كنبة الصالون



مى: آسفة إنى طلعتك من الشغل كده
كريم: مش ناوية بقا تتعالجى زى بقية خلق الله يا مى؟؟
مى: مانا قلتلك مليون مرة....أنا مش رايحة مستشفيات يا كريم أنا مبسوطة كده....و إن كان على المشوار اللى انت طخيته أوعدك يا سيدى إنك مش هتكرره تانى أنا هبقا أصرف نفسى بعد كده
كريم : إيه علبة السجاير دى....كان فى حد عندك و لا إيه؟؟
مى : لأ دى بتاعتى...ابتديت أدخن إمبارح و بطلت النهارده
كريم : هى الخرابة ناقصة عفاريت!!....مستبيعة كده ليه انتى؟؟
مى: قلت أجربها يوم...و يوم واحد بس لأنى فاهمة كويس إن الخرابة مش ناقصة عفاريت يا سى كريم...أصلى من زمان كده عايزة أعرف هما بيحسوا بإيه يعنى لما بيشربوها....تعرف إن طعمها معجبنيش
كريم باكيا: عشان خاطرى يا مى روحى لمستشفى....أنا بيصعب عليا أشوفك عاملة كده و أنا مش قادر أعملك حاجة
مى: هاتلى واحد إتشخص بسرطان عضم فى المرحلة الأخيرة و العلاج نفعه
كريم: طيب و الحل يعنى إنى أتفرج عليكى؟؟....يعنى يبقا انتى و ماما فى سنة واحدة يا مى؟؟
مى باكية : و الله لو كان بإيدى حاجة يا كريم كنت عملتها....و الله لو كان العلاج هينفع لكنت اتعالجت
كريم: طيب أكلم نهلة تيجى تقعد معاكى النهارده تشوف طلباتك؟؟
مى ممازحة : كله إلا نهلة..بص أنا هروح المستشفى خلاص....أى حاجة تانية هتبقا أرحم من نهلة
كريم: أهو ده اللى باخده منك.....أنا عارف إنها رخمة بس مراتى بقا و قضايا...هقولك إيه
مى ضاحكة: طيب خد معاك الترامادول و أنت مروح....هتحتاجه
مى: كريم أنا كنت عايزة أقولك على حاجة
كريم: قولى يا حبيبتى
مى: أنا من فترة كده كنت برتب لسفرية و خلاص حجزت التذكرة و مسافرة بكرة على لندن و هطلع منها على أسبانيا و من هناك
على الهند و هختمها إن شاء الله بجنوب أفريقيا و بعدها أرجع مصر تانى

كريم: كلامك بجد و لا تهريج؟؟
مى: بجد يا كريم...الباسبور و التذكرة على ترابيزة السفرة أهم

كريم : و جاية تقوليلى بعد ما خلصتى كل حاجة....و المطلوب إنى أسيبك يعنى و أنتى بحالتك دى تسافرى لوحدك
مى : تفتكر إيه أوحش حاجة ممكن تحصللى طيب؟؟ أموت يعنى!!....أنا صرفت آخر مليم معايا عشان الكام يوم دول....و إن شاء الله هرجعلك عايشة متخافش....أنا عارفة إنى مش هموت إلا هنا
كريم محاولا أن يبدو مرحا: هتلفى العالم يا مجنونة و تسيبينى هنا مع نهلة لوحدى
 مى بلهجة ذات معنى: دى نهلة سكر يا كوكى.....أنا كده ضمن توصيلتك هاا؟؟
كريم مبتسما: هيحصل يا مجنونتى

اليوم هو الثلاثاء..... توفى الله مى فى تمام الخامسة و النصف صباحا حينما عادت للنوم بعدما أنهت صلاة الفجر....لا يهم قليلا و لا كثيرا الشعور الذى سرى فى أوصال كل من كريم و نهلة حينما دلفا إلى غرفتها فى التاسعة صباحا ليجداها لم تغادر سريرها بعد ...  وجدا فقط  على ملامحها الدقيقة سكينة و راحة لن تصدقهما ما لم ترهما...كانت و الحق يقال بارعة الجمال  على الرغم من زرقة الموت القبيحة التى اعتلت شفتيها