Tuesday 27 December 2011

حكـــاية نوريـــن

أجواء المقهى الراقى الهادئة و موسيقى تنبعث من اللامكان.....تجلس هى هناك تتشاغل بأشياء عبثية فى إنتظاره....الساعة تسير فى تؤده مثيره للغضب تزيد من إعيائها


يدلف إلى المكان أنيق كعادته و إن بدا مبعثر الخطوات...يتلفت حوله ثم تقع عيناه عليها...يشق طريقه وسط زحام الطاولات حتى يصل إليها


هـــو: عامله إيه النهارده؟
هـى: زى ما انت شايف كده...جبت معاك الحاجه
هــو:اتفضلى يا ستى
تنظر إلى الحقيبه الصغيره فى لهفة حاولت أن تخبئها بشتى الطرق إلى أن انتهى بها الأمر لتركها على الطاولة قليلا على سبيل التمويه
هـى: كام؟
هـو:أنا ما جبتش اللى انتى عايزاه بالظبط...الكميه أقل شويه
هـــى: كام يعنى؟
هــو : 250 جنيه....انتى بقيتى ما تتطاقيش على فكره
هـــى : آسفه يا عمرو...بقالى يومين ما خدتش حاجه و مش طايقه أسمع كلمه حتى من نفسى

يأتى النادل بقدحين من القهوه التركى...و تحين منه نظره إلى نورين تجعل الدماء تتجمد تماما فى عروقها...هو يعرف...حتما يعرف...المدمنون دائما مفضوحون....إن لم تفضحهم أجسادهم النحيله تتكفل نظراتهم الزائغه بالمهمه


هى تعرف جيدا فى قراره نفسها أن إدمانها ليس هويتها الكامله حتى و إن بدا للآخرين العكس....هو فقط مثال حى على القبح الذى تحمله بداخلها...لذا ما زالت نظرات العيون تصيبها بالتوتر إلى حد ما
هـــى: أنا رايحه الحمام بقى
هــو: هتضربى هنا يا مجنونه ؟
هــى: هضرب آه...بس حقنه مسكن....عضمى مخلع
هـو:طيب مستنيكى أهو
تعود بعد قليل أسوأ من ذى قبل
هــو: حجزتلك فى المستشفى زى ما طلبتى
هــى : جميل....يومها الصبح إتصل بيا و انت تحت البيت عشان أجهز و آجى معاك...ما تعرفنيش قبلها بكتير عشان ما أفورش و أموت...مش طالبه
عمرو: طيب إشربى القهوه

لحظات من الصمت يتخللها صوت الرشف الرتيب

عمرو: انتى بجد قررتى تتعالجى؟
نورين: اومال يعنى بسلى وقتى...أنا بقيت زباله أوى يا عمرو...كفايه عندى إنك لما بتيجى تقابلنى بتيجى من ورا مراتك
عمرو: ما تقوليش كده على نفسك
نورين: بابا و عرف خلاص و حاول معايا بدل المره ألف لحد ما بقى مش طايق يبص فى وشى...ماما و قربت تموت بحسرتها تقريبا...شغلى بقيت بروح يوم و عشره لأ
نورين: الضحكة الخبيثة اللى على وشك دى معناها حاجه واحده
عمرو: قوليلى كده معناها إيــه؟
نورين: إن الشنطه دى مفيهاش حاجه...و إنك حاجزلى فى المستشفى على النهارده بالليل أو بكره الصبح بكتيره
عمرو: هى الشنطه فيها سندوتشين كبده من عند جابر..و د/محمد قاللى لو هى عايزه تيجى النهارده تتفضل
نورين -بابتسامه منهكه-: يا دوب نلحق...و أهو نضرب الكبده فى الطريق
عمرو: مش متضايقه؟
!نورين: أتضايق عشان هنضف؟


يسأل عمرو النادل فى ذوق عن الفاتوره و يترك له بعضا من المال على سبيل الإكراميه ثم يغيب مع نورين عن عيونه فى ظرف دقائق


انتهـــــــــــــــت

Monday 26 December 2011

....حينمــا

أحيانا...أقول أحيانا.. أقع فى غرام نزلات البرد...فهى تجعلنى أغفل التفاصيل حولى و أبدأ فى الإهتمام بجسدى البائس قليلا...على هذا سأسرق بعضا من هذا الوقت الذهبى لأعود لثرثرتى القديمة المعتاده

تجدونى أجلس أمام شاشة الكمبيوتر أقدم يدا و أؤخر الأخرى...ألتف بروب صوفى سميك و قد كدست حولى أكواب المشروبات الدافئة...سأحاول أن أقول اليوم شيئا ذى بال و لكن إن لم أفعل لا تغضبوا أرجوكم

حينما أمرض تكتسى حياتى بمفردات الفوضى المنظمة التى لا يفهمها أحد سواى....دواء الحساسية بجانب الوساده و المناديل أسفلها...دوائى الآخر فى قاع الدولاب و إن لم أجده هناك فهو حتما إلى جوار المكواه...الروب الصوفى أعلى كومة الملابس على المقعد الأسود...جيوبى ممتلئة دوما بحبات النعناع....هاتفى فى الغالب مغلق و مستقر أسفل الوساده أو أسفل مقعدى المفضل فى الصاله

حينما أمرض أصر إصرارا عجيبا على أن أفعل شيئين لا ثالث لهما....أطهو و أغنى فى مرح حقيقى بينما أعد الطعام

حينما أمرض أعد أفضل كوب شاى بالنعناع


حينما أمرض تزداد قدرتى على الاستذكار

حينما أمرض أتحدث إلى نفسى بصوره أكثر ودا

حينما أمرض يزداد تعلقى بمكتبتى و موسيقاى المفضلة

حينما أمرض أصبح أقرب إلى أن أكون بشرا

Thursday 22 December 2011

عاشت ثورتنا المشروعة

أنا مدينة للشهداء بكل هذه الحرية التى أتنفسها....مدينة لهم بما سأكتبه....لذا إن لم يكن حقا ...قوّمنى إن حدت و لو سنيتمترا واحدا عن الحق

حكّامنا يكذبون بوجه سافر....يغرقوننا ليلا نهارا بأكاذيب مدعومة بالصور و الدلائل التى تبدو لبعضنا حق و هى فى الحقيقة يقصد بها أخس و أحقر أنواع الباطل....فسلم الباطل درجات و هم حتما يقفون الآن على أعلى درجاته

يقتلون إخواننا بدعوى الدفاع عن هيبة الدولة....يسحلون أخواتنا بدعوى الدفاع عن الشرعية...و يكشفون عن عذرية أخريات بدعوى النأى بأنفسهم عن شبهه إغتصابهن

كلما دفعنى حظى العاثر إلى أن أشاهد أحد المسئولين -عن هذه الجرائم- يجلس مجعوصا بثقة أمام الكاميرات ليتحدث عن عجلة الإنتاج أو إستصلاح الصحراء أو البلطجيه المندسين أتأكد تماما أنهم سيقاتلون حتى آخر نقطة دماء فى عروق الشهداء حتى يستروا جرائمهم التى لم تعد تخفى على أحد....

و لكن من قال أن أحرار هذا البلد رافضون لهذا الثمن؟؟
تتباين ظروفهم الإجتماعية و تتباين أفكارهم و لكن يبقى بينهم ميثاق سرى لا يعرفه سواهم يجعلهم جميعا يلحقون ببعضهم البعض واحدا 
تلو الآخر آملين أن يفتح موتهم بمشارط حادة عيون من إستحبوا العمى على الهدى من أبناء وطنهم

صدقونى عندما أقولها لكم...لقد خلق الله عقولنا لنعملها....خلق الله عيوننا لنرى بها...خلق الله أرواحنا لا لتحيا بها أجسادنا فقط و لكن لنرى بها الحق و نتبعه و لو كره الكارهون

إيمانك بثورتك هو حتما ما سينصرها....ليس عيبا أن تهاب الموت....و لكن العيب كل العيب أن تهاب أن تنطق بكلمة الحق

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مش قادر تدعمهم بنزولك معاهم...عرف كل واحد من اللى حواليك بإنتهاكات المجلس العسكرى...عرفه ليه ما ينفعش يستمروا فى حكم البلد...عرفه إننا محتاجين رئيس جمهورية بأسرع وقت ممكن....عرفه إن وقوف الثورة مش هو الإستقرار لأن أحوالنا ماديا و إجتماعيا و فكريا ما اتغيرتش كتير عن قبل الثورة...الجهل واحد و الفقر واحد و القمع واحد

Thursday 8 December 2011

عنــه أتحدث

كريهة هى اللحظات التى يجب أن تقف فيها على قبر عزيز لديك لا لزيارته إنما فقط لتؤكد لنفسك أنه قد رحل بالفعل و إن الموضوع مش كده و كده...تقف لتقرأ الفاتحه و تتمتم ببعض الدعاء...قد تقرأ ما تيسر من القرآن و قد لا تفعل ثم تغادر

 فى طريقك للخروج تتأمل الحروف الهجائية التى خطها أولاد القرية بالطبشور هنا و هناك....تغادر ناسيا أو متناسيا أن جميع من هنا كانوا أحياء يوما مثلنا و صاروا أسماء...مجرد أسماء على شواهد قبور

قد تقابل فى طريق خروجك جثة طازجة محمولة لمرة أخيرة على الأيدى....فى البداية تأتى محمولا و فى النهاية أيضا...و ما بين هاتين الحملتين عليك أن تعمل للحظة مواراتك الثرى


لست من النوع الذى يعيد إكتشاف الموتى بعد موتهم....لذا صدقنى عندما أقول لك أنه كان إبن نكته و بشوش

للأسف الشديد لا أذكر له سوى بضع المواقف التى يعترى صلبها التشويش على الرغم من حداثتها

يوم أُنشأ القبر الذى يرقد فيه الآن قال لأبى

خالى : أنا هتدفن معاك هنا نونس بعض
والدى ضاحكا: و أنا مش هرضى أتدفن هنا من غيرك
خالى: أهو نسهر بالليل نتسلى و بعد ما نخلص قعدتنا نطلع نجرى ورا الفلاحين فى الغيطان...نرعبهم شويه

فى آخر زيارة له قبيل مرضه

خلى فى دايما مسافة بينك و بين أى حاجة بتسمعها...خلى المسافة دى لدماغك تشتغل فيها

قبيل وفاته بيوم

اللى هياخدها-يقصد روحه- عظيم...سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر


غفر الله له و لسائر موتى المسلمين