Thursday 19 April 2012

...عن الإزعاج

التاسعة مساءً ..وقت عشاء قططى..تجدونى أدلف خارج شقتى فى الدور الرابع متوجهة إلى الدور الأرضى أحمل فى يدى كيس بلاستيكى مملوء بوجبة سمك شهية دفعت قطتى لأكثر مرة إلى محاولات -كادت أن تكون ناجحة- لإسقاطى من على السلم كى تحظى بوجبتها التى طال إنتظارها

أشعل الموقد لطهى السمك و أتوجه إلى تلك الغرفة الهادئة فى ركن الشقة..الغرفة الشهيرة التى لابد و أن تمتلكها كل أسرة مصرية..غرفة الكراكيب..أتخير مقعدى ..كرسى الصالون الأحمر الأنيق الذى عبث كلاً من الغبار و الزمن بملامحه ليجعلها أشد بهاءً فى عينى..عشاء قططى اليومى هذا يمنحنى نصف ساعة كاملة معى فى هذه الغرفة...نصف ساعة كاملة بدون أى نوع من أنواع التواصل البشرى

يتبعنى إثنان من قططى و الثالث يختفى فى مكان ما قريب...لا يزعجنى وجودهم معى فى أى مكان على الإطلاق..كائنات صموتة..نظيفة..شديدة الذكاء..كسولة..لعوب..ما المزعج هنا؟

أرفع بصرى إلى المصباح المعلق فى السقف لأجده هناك..صغيرا..مخيفا..مهيبا..يتدلى من المصباح فى رشاقة كلاعب سيرك محترف..بدا منزعجا من النور قليلا لذا وقف يتأمل تلك الشمس المبهرة التى أضاءت عالمه المظلم فجأة

ترتبك خطواته فأجد أحد خيوطه التى تدلت منه قد صارت طويلة...ثم تقصر..ثم تستطيل...ثم أجده يتوقف تماما عن الحركة

يغير إتجاه حركته و يجعله نصف دائرى ليبدأ فى نسج شبكته بما يتناسب مع معطيات العالم الجديد الذى إكتشفه لتوه بعد إضاءتى لنور الغرفة...أحملق فى المصباح محاولة إدراك أبعاد الشبكة التى ينسجها فأفشل تماما بسبب العشرات من الشموس التى تتقافز أمام عينى بسبب تحديقى كالبلهاء فى مصدر الإضاءة

أنهض من مكانى لأتيح لنفسى فرصة التعرف أكثر على عالمه..أدور على مهل حول المصباح لأستطيع إدراك حجم عالمه شديد الصغر..ثلاث خيوط غليظة بعض الشئ تربطه بالمصباح و خيط رابع يتدلى من بطنه يصنع به شيئا لا أدريه


أنا: مستجد إنت هنا؟
 ..............:هو
أنا: طيب..طيب..كمّل

أخشى العناكب لكنى أعشق رؤيتهم ينسجون بيوتهم كما أشعر بأسى شديد حينما أرى أحمق ما يهدم بيوتها بدعوى النظافة...آه لو يعلمون كم يشقى هذا البائس كى ينسج بيتا

من منطلق إعرف عدوك تجدونى أعرف الكثير عن العناكب... أعرف أنهم يعشقون الظلام و الأماكن الرطبة المهجورة التى يقل فيها المتطفلون..كما أعرف أنهم يمتلكون فى رأسهم الصغير هذا ثمانية أعين و على هذا فأنا أدرك تماما أنه يرانى و أنه حتما مرتعب ... لكنه يبدو منشغلا بعمله..ينهيه فى سرعة و هو متجاهل لوجودى تماما

أخرج من الغرفة ..أغيب دقائق لأضع الطعام لقططى..أعود لأجد أنه قد أزال كل خيوطه و ابتعد تماما لينزوى كالتعس فى ركن سقف الغرفة...حتما يندب حظه الذى دفعه ليبنى بيتا فى أكثر أماكن العالم صخبا و إضاءة...مكان يأوى متطفلة مثلى