Saturday 21 February 2015

تلك الأيام

الأيام التعيسة تعرفها من بدايتها. لها سمتها و حضورها الذى لا يمكن أن تخطئه حواسك. النوم القليل و خفقات القلب السريعة و القولون المشتعل و الرؤية الغير واضحة كلها علامات لا يمكن أن تخطئها مع إحساسك بالهدوء و الرضا.. أبدا

واحد من تلك الأيام التى تدرك فيها مدى عته و سيزيفية ما تصنع و أنه مهما فعلت لنفسك طوال اليوم كى تسرى عنها لن ينشرح صدرك و لو حتى لدقائق. أفيق مبكرا جدا، متيقظة تماما من قبل ميعاد عملى بثلاث ساعات كاملة و لكننى غير قادرة على حمل نفسى على النهوض من السرير.

!نصف ساعة حتى ميعاد العمل

أدس موزة فى فمى و أرتدى ثيابى على عجل و أحاول ألا أجعل إحباطى يمنعنى من الخروج من باب الغرفة

واحد من تلك الأيام التى تجعلك تتمنى أن تتكوم فى سيارة مسافرة إلى مكان ما بعيد عما تعايشه يوميا. واحد من تلك الأيام التى لا تريد أن تفتح فيها فمك بكلمة واحدة و لو كانت حتى صباح الخير

نفس عميق و نبدأ اليوم

أنهى الفترة الأولى من عملى. ساعتى تخبرنى بأنه يفصلنى عن الفترة الثانية ما يقارب الساعتين.
حسنا، ستكون هذه الفترة برعاية أحد المقاهى المنتشرة فى مدينتى. فى طريقى أمر بمسجدى الأثير إلى نفسى لأركع ركعات العصر الأربعة. أختنق فى الركعة الأخيرة بالدعاء فلا أجد ما أقول سوى يا رب

 المقهى يضج بأغنيات منير، أحب صوته فى المعتاد لكن اليوم أجده فجا كاذبا و مبالغا فيه كذلك. تسعفنى سماعات أذنى و كتاب لصُنع الله إبراهيم و أغنية منتقاة على هاتفى لأتناسى تماما صخب المقهى و صوت منير و حقيقة أننى بالفعل وحيدة

عشر دقائق و نبدأ الفترة الثانية

أدلف إلى العيادة فى هدوء على أمل ألا أثير إنتباه أحد إلى وجودى. أجلس فى الغرفة العارية إلا من بضع كراسى و طاولة استقر عليها تلفاز قديم. لن أفعل شيئا ذى بال، سأكتفى بقراءة كتابى حتى يحين موعد إنصرافى.. هكذا قررت

ما يقارب النصف ساعة و تطل هى بوجهها النحيل المكسى بالفراء و مواء لم يخلو من الإستعطاف.. رأيتها من قبل و تركت لها بعض من طعام لم تقربه. كانت تريد بعضا من الونس فقط

حامل جدا إن جاز التعبير. أستطيع أن أرى بعينى حركة صغارها داخل بطنها الكبير الذى جعل من حركة صدرها الضيق و هى تتنفس معجزة حقيقية

أضعت بعض الدقائق فى محاولة فاشلة لفهم كيف أتت إلى هنا أو من تركها تدخل إلى عيادة طبيب أطفال، ثم آثرت أن أتوقف عن الأسئلة الغبية و أحاول أن أقنعها بأن تأتى لتجالسنى قليلا من الوقت

اقتنعت و قفزت مباشرة إلى حجرى.. جلست قليلا ثم طفقت تتمسح بى مصدرة مواء لا يمكن أن يعنى سوى مرحبا. كأنما انتهت من عمل مخطط له مسبقا قفزت على كرسى وثير بعض الشىء ملاصق لخاصتى و راحت فى نوم عميق. أمد يدى و أداعب فرائها الناعم و أترك كآبتى تنسل من داخل جوفى شيئا فشىء حتى يحل محلها الصفاء و الكثير من الهدوء

لله جنود. يبعث بهم وقتما يشاء لمن يشاء، للحظات نعتقد أننا من يعتنى بهم فى حين أنهم فى حقيقة الأمر هم من يصنعون فينا كل المعروف

ينتهى يومى بابتسامة واسعة و إنشراح صدر يؤكد لى تماما بأن الله فى سمائه يحبنى على الرغم من كل أفكارى المخيفة

No comments: