Monday 20 February 2012

كوابيــس

الإبتسامة الجانبية العابثة والشعر الثائر.....

من ينسى المقتحمين...أولئك الذين يأتون كى لا يذهبوا أبدا...ذوى الآراء الضدية.. الذين يقدرون على تحديد أين يكمن السخف فى باطن الأمور التى تبدو ذات أهمية عظمى ...لسبب كهذا لن ينسى رافع أبدا نيفين

نيفين ذات الخامسة و عشرون...التى تعرف جيدا كيف تزلزل الأرض من تحت قدميك بجملة عابره تلقيها و هى غير عابئه بما تقول.... و تنتظر فى صبر الذئب حتى تلمح الحيرة فى عينيك لتعاودها إبتسامتها الجانبية العابثة التى لا تعنى سوى "ها هو أحمق آخر يتصنع التمسك بآراء يعرف جيدا أنها ليست أرائه"...نيفين التى تمتلك طنا من الأصدقاء الذين ليسوا بأصدقاء....نيفين التى تعيش وحيده ..نيفين ذات الشعر الثائر الذى لا يعرف هدوءا أبدا

نيفين التى لا تعبأ كثيرا بما يراه الآخرون

الإبتسامة الجانبية العابثة و الشعر الثائر.....

لم قد يهتم رافع بكل هذا إن لم يكن مخبولا من هواة الترصد؟!....لم تتجاوز معرفته بنيفين سوى مقابلات العمل فى مكتب المحاماه الذى يعملان فيه سويا...رافع قد أنهى دراسته لتوه بتقدير جيد جدا لذا فهو متأهب كدودة القز لقضم ورق شجر المحاماه...و كالعاده كانت مهمة نيفين بصفتها ذات أقدمية عن رافع  أن تقلل من حماسه المخيف و تستبدله ببلادة موظف حكومى جل وظيفته أن يهرع من محكمة لأخرى لإنهاء معاملات ورقية غاية فى البلاهة تليق بمقامه كخريج مستجد

إهتمام رافع بنيفين كان حتميا....من لا يهتم بمن يجعل حياته عذاب مقيم لا ينتهى؟!

الإبتسامة الجانبية العابثة و الشعر الثائر.....

مات أبويها بإختناق نجم عن تسرب غاز ذات ليلة أربعاء بينما كانت هى تتأهب للخروج من المشفى النفسى صباح الخميس بعد رحلة علاجية قصيره لنوبات الذعر الليلى التى تزورها من آن لآخر بسبب تحرش أحد جيرانها الأوغاد بها و هى فى عمر السابعة....خرجت يوم الخميس من المشفى لتتأكد تماما أن العالم ليس رفيقا بمن تبدو على ملامحهم البلاهة و الطفولية...عاملها الجيران أولا كمجذوبة مكلومة...عاملوها بعطف ممزوج بشفقة و خوف واضحين..مع مرور الوقت تحول خوفهم إلى ذعر حينما تولى الجار الوغد-المتحرش- نسج أقاويل لا يصدقها عقل طفل عن أن نيفين كانت تعالج من مس شيطانى و كيف أن العلاج فشل مما تسبب فى غضبة شيطانها الذى سخر أتباعه لقتل أمها و أبيها قبل خروجها من المشفى كى يمهد لها الطريق لتعيش حياة ماجنة بلا قيود أو مراقبة من أى نوع

كلام أضحك نيفين كثيرا بقدر ما أبكاها

الإبتسامة الجانبية العابثة و الشعر الثائر.....

الرابعة عشرة...ليس بالسن الذى يتركوك فيه و شأنك..لابد أن يظهر لك عم أو خال من نوع ما ليقرر أنك صرت مسئوليته...دور سخيف يختاره العم أو الخال لنفسه ثم يسأمه بعد فترة حينما يجد أن الفتاة الجديده بالوعة للمال و مصدر تهديد لإبنه المراهق ذو الشارب الأخضر الذى يحاول جاهدا النمو أسفل أنف متطفلة.....سنين تمر سريعة بالرغم من تلكؤها لتجد نيفين نفسها و قد
 حزمت حقائبها و تسلمت ما تبقى من ميراثها متجهة إلى الإسكندرية

ميراث ليس بالقليل إن إستثنينا حقيقة أنه كان يمكن أن يكون أكثر قليلا لولا أن العم قرر أن يكافئ نفسه على  إيوائه لإبنه أخيه لما يقارب الست سنوات

الإسكندرية العجوز كانت خير مضياف للفتاة البائسة التى لا نصيب لها مما أحاط بها من شائعات سوى أنها ذكية مفترسة كثعلب

و مالذى جعل الثعلب مفترسا سوى أنه نفسه معرض لللإفتراس؟!

الإبتسامة الجانبية العابثة و الشعر الثائر.....

غرابة أطوار نيفين....هيئتها العامة التى لا تتسق مع هيئات من حولها جعلت رافع يذهب بعقله إلى إحتمالات سريالية كثيرة كانت تحتاج إلى تأكيد...أى تأكيد

المحامى كائن فضولى بطبعه...لذا كان من الصعب أن يعرف رافع أن أصول نيفين من المنصورة و لا ينتهز فرصة سفره إليها كى ينبش قليلا أو كثيرا فى ماضى البائسة

و لأن الخرافات أشهى من الحقائق...عاد رافع يهاب نيفين كالطاعون...الأمر الذى راق لنيفين كثيرا
و لكنه أبدا لم يرق زملائها فى العمل...فبالرغم من الذكاء النسبى عند الجميع...و بالرغم كذلك من ثقافة البعض الآخر إتفقوا جميعا على نبذ الفتاه تماما...ليس نبذها فحسب....بل سرد قصتها لكل من يحيطون بهم

الإبتسامة الجانبية العابثة و الشعر الثائر.....

من قال أن فتاة بماض كماضى نيفين كانت ستحتمل أكثر؟!....ما نوع هذا الأحمق الذى يراهن على شخص هش هشاشة عود القش؟!....كان إبتلاع آخر ثلاثين قرص فى علبة الفاليوم كفيلا بإنهاء الأمر بدون دماء أو توتر...فهى لم تر فائده من المقاومة إطلاقا...خمسة و عشرون عاما و نيف من المقاومة تكفى...أضف إلى هذا أن الرب رحيم بالرغم من كل شئ.

الإبتسامة الجانبية العابثة و الشعر الثائر......


كان المشهد عجيبا بحق وقت أن أتى عم نيفين و زوجته و إبنهما لدفنها...زملائها فى العمل يقودهم رافع يمصمون شفاههم فى شماتة واضحة فى تلك المخبولة صاحبة الصلة الوثيقة بالشيطان....تتقاذفهم أنفسهم ما بين الشماتة والتقدير للذات لأنهم شاركوا أخيرا فى تنفيذ عدالة السماء فى ماجنة كهذه

كان من الصعب ألا يلحظ عمها تلك النظرات...كان من الصعب ألا ترقى لأذنه تلك الهمهمات عن أن الفتاة كانت شيطانة زنيمة...كان من الصعب ألا يعرف بماضيها الملفق الذى إلتصق بها منذ أن كانت بنت الرابعة عشرة

كان من الصعب أيضا أن يصمت العم عن تصحيح المعلومة....كما كان من المحال  أن تتهم كل هذا القطيع بأنهم مسئولون عن دماء فتاة منتحرة...أى قضاء سيقف إلى جانبك...بأى تهمة سيتهم القطيع؟!....نيفين و لا أحد سواها كانت صاحبة قرار إنهاء حياتها

...........

مازال رافع يزور قبر نيفين كل أربعاء ليقف أمامه لساعة أو يزيد يهمهم بعبارات غير مفهومة بصوت متهدج يخالطه الدمع...أحيانا يصحب معه جريدة نخيل...و أحيانا أخرى يصطحب رجلا يقرأ ما تيسر من القرآن

مازالت الإبتسامة الجانبية العابثة و الشعر الثائر يسيطران على كوابيسه الليلية

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملحوظة على جنب

الحبكة مش عبقرية...عارفه ده كويس

ملحوظة تانيه

ده البوست ال 108

No comments: