Thursday 8 August 2013

الحــالة

ثالث كشاف يتوقف عن العمل فى أقل من نصف ساعة..المبنى عتيق منذ أيام الإحتلال الانجليزى، لا إضافات جديدة له سوى بعض اللوحات الإرشادية الرخيصة و الكشافات الصينية الأكثر رخصا

أتأمل السقف فى نفاذ صبر. أناجى الله من بين أسنانى، أريح رأسى للوراء و أستند بظهرى إلى الحائط و أغلق عينىّ لثوان ثم أفتحهما على أنين طرقات المبنى أسفل خفى الممرضة التى أخذت تشق طريقها زحفا نحو ما أعتقد أنه إستراحة الأطباء

 تقف قليلا لتعدل من وضع غطاء رأسها ثم تكمل زحفها وصولا للباب ..تغيب بالداخل لثوان ثم تخرج مردفة طبيب مشعث الشعر ملوث الثياب منتفخ العينين

"تتظاهر بالجرى و هى تشرح له بعض الأشياء فى سرعة ثم تختمها ب "كويكلى يا دكتور..الحالة بتّداى

أقف أنا هناك بلا فكرة واضحة عما يحدث .. يعنى إيه "بتّداى؟" دى و حالة إيه؟..أتنبه لضربة قوية بعض الشئ فى كتفى تبعتها شعور بسخونة تتسلل من أعلى بنطالى لأسفله..أمامى ممرض زائغ العينين يبدو صغير السن ممسك بنونية فراش أحد المرضى و يبدو أنه فى طريقه إلى دورة المياه للتخلص مما فيها

"إيه ده؟... بول؟؟"..."إنت إزاى تمشى بالأرف ده فى وسط المستشفى كده"

ينسحب الممرض ماضيا فى طريقه و يتركنى للغثيان وحدى. سقف الممر غير ثابت و الأرض كذلك بدأت فى التحرك.

أتحسس طريقى إلى باب غرفة العناية المركزة فى محاولة أخيرة لأطمئن على أخى فتمنعنى الممرضة بجسدها الضخم من الدخول..جسدها يذكرنى بالمرأة التى كانت تقتنى توم القط لولا أن هذه أشرس قليلا.

مش هتشوفه دلوقتى" هكذا قالت، ثم اختلج وجهها غليظ الملامح و أغلقت الباب فى وجهى"


رائحتى مقززة..قدماى منهكتان..رأسى محملة بكل قهوة العالم و لا تنقصنى ذرة واحدة من الحزن

يعود الممرض للمرور أمامى من جديد، أرمقه بغيظ، يأتى معتذرا طالبا منى بنطالى ليغسله بنفسه. أتململ و أزيد على رفضى بالسباب ثم أتولى عنه لأجلس على السلم المقابل . لو مُت هنا و الآن لكان الأمر أكثر من المريح

صوت الممرضة مناديا إسمى يثقب أذنى.. أقوم من مكانى لتعاجلنى ب"البقاء لله.. إطلع على الحسابات خلص معاهم و إنزل إستلم الجثة و إخلى طرفه من المستشفى.. شد حيلك"

. قدماى تخذلانى لأعاود الجلوس .. لقد مات و لا يوجد على الأرض ما قد يغير من هذا

No comments: