Tuesday 31 December 2013

اهدأ.. استعد.. اطلق أشباحك

لطالما ارتبطت عندى سيارات البيجو بذكريات سيئة فهى دوما خانقة كعلبة السردين .. ضيقة النوافذ و لا تسمح لقدماى الطويلتين بالتمدد المريح

هذه المرة لم يضايقنى كثيرا إنحشارى بداخل العربة.. لم يضايقنى حد الأفق الذى تفعله النوافذ و لا غطيط النائمين و لا عدم قدرتى على تحريك قدماى بحرية.. فأنا كنت ذاهبة إلى الاسكندرية.. ذاهبة لأرى البحر تحديدا

عشرة شهور و أنا أحاول الخروج من عجلة فأر التجارب هذه لأرى اسكندرية.. عشرة شهور!

قطعنا الكيلو العشرين.. القرآن الكريم يغلف رأسى مختلطا بصوت المحرك و صوت أنفاسى الذى بدا واضحا أكثر من أى وقت.. من حين لآخر أثرثر مع صديقتى المقربة فى أمر ما ثم نتوقف عن الكلام لنرقب الطريق كسمكتين يائستين فى حوض ضيق

أعلم أنها مثلى تحمل فوق كتفيها حملا ثقيلا و تنتظر أن تسارع السيارة كى يسقط الحمل تباعا مع تغير عداد الكيلو مترات

نقطع الكيلو المائة ربما .. لتنهمك صديقتى تماما فى الطريق و أنهمك أنا الأخرى فى موسيقاى المفضلة و المساحات الخضراء التى تتوالى بسرعة محببة إلى قلبى الذى أنهكه توالى الأحداث

أشباحى قرروا أن يرأفوا بى و يخرجوا من رأسى واحدا تلو الآخر فى هدوء... تهجم الفكرة على رأسى لتؤلمنى قليلا ثم أجدها تخرج منها مسرعة لتترك لغيرها المجال... ساعة و نصف من تداعى الأفكار أعقبه خواء رأس دفعنى لقرص نفسى فى الركبة للتأكد من أننى حية بالفعل

عشرة شهور...


باقى على الاسكندرية ستة و تسعين كيلو متر... نفس عميق و محاولة للاسترخاء فى الكرسى و أخلع عن رأسى سماعات الأذن لأترك القرآن الكريم يربت على رأسى الذى أخلى لتوه شبحه ما قبل الأخير... نصف ساعة أخرى من السير و يبدل السائق محطة الراديو إلى إذاعة أغانى

أم كلثوم و انت عمرى .. أنظر للسائق فى المرآه نظرة مفادها إنه "جاى فى وقتك يا حاج" .. الرجل متوحد تماما مع الطريق .. كأن المقود جزء من يده و كأن الطريق جزء من قدميه

الوقت يمر و رأسى يزداد ارتياحا

الاسكندرية أخيرا ! ... دقائق و نجد أنفسنا فى الموقف و نسمع من السائق "حمد الله على السلامة" التى طال انتظارها

تهبط قدماى على الأرض و أتشمم الهواء فى حذر.. لا أريد لأنفى أن تشتم هواءا محملا برائحة البنزين و السولار بعد هذا الانتظار الطويل.. حسنا سأؤجل النفس العميق إلى أن أرى البحر

تاكسى إلى الفندق.. سيقتلنى الترقب.. أريد أن أرى البحر بأى شكل.. السائق لاحظ تململى يمنة و يسرة باحثة عن أى خط فى الأفق يدل على أن البحر هناك

دقائق و أجد البحر قابع هناك أمامى.. هادىء جدا.. رائق جدا .. و لا يبدو أنه يعبأ بمجيئى من عدمه

نتوقف أمام الفندق.. أصعد إليه لألقى بأثقالى ثم أهبط إلى الشارع. ما زلت لا أشتم رائحة اسكندرية بعد و هذا أمر مقلق

أعبر الشارع إلى الناحية الأخرى ليحيينى هواء البحر مالئا أنفى برائحة اليود التى تتكفل بلعق جروح رأسك واحدا تلو الآخر

يوم و نصف قضيتهم هناك. لم أفعل فيهم شيئا يذكر سوى الجلوس أمام البحر و التحديق فى الأفق حتى الثمالة ثم التسكع فى الشوارع مع صديقتى حتى نفقد الاحساس بأقدامنا.
 لم تداهم رأسى و أنا أمام البحر أية أفكار من التى تمر برأس البطل فى الأفلام.. لا مشاهد مؤلمة.. لا أشباح .. لا شىء، رأسى كانت خرساء تماما. تستمتع بالمشهد و كفى

رأسى الآن تعرف ما ينبغى عمله أكثر من أى وقت.




1 comment:

max.adams said...

يااه لسه 40 قرش زي ما هو ما غلاش ... مش معقول