Tuesday 27 August 2013

هستيـــريا

قطرة واحدة من اللبن على السطح.. ربما قطرتين فأنا لا أريد لوجه القهوة أن يفسد. الهاتف يرن. لن أرد. المتصل لا يعرف حتما أننى قد فقدت قدرتى على الكلام منذ عامين و ما دام لا يعرف إذا فهو فى حقيقة الأمر غير مهتم

أفترش الأرض فى بقعة الشمس الوحيدة التى تسللت من بين ثقوب سلك النافذة. أرتدى العوينات و أعود للبورتريه الذى لم يكتمل منذ عام

يا اخى يعنى كان لازم تموت؟..مش قادرة أفتكر شكل شفايفك كان بيبقى عامل إزاى لمّا كنت بتضحك..مش لو كنت هنا كنت

ضحكّتك و كملت الصورة؟

أغلق عينىّ..أحاول أن أتذكر ابتسامته.. أفشل فآخذ رشفة من الكوب الصغير ثم أسكبه على الورق أمامى لتبهت خطوط الرصاص تماما

شعورى بالاختناق هذا من أين يأتى؟... و لم لا يذهب؟



أما هذا فإن ابتسامته السخيفة لن تفارقنى .. أعرف هذا جيدا. إبتسامة الضعف المقززة التى منحها لى يوم زفافه.لن أنساها

شعورى بالاختناق هذا من أين يأتى؟... و لم لا يذهب؟


انتصرت على خوفى من الأماكن المرتفعة أخيرا.. أقف على حافة السور فى الطابق العشرين. أرتعد و أبكى لا خوفا و لا حزنا إنما هى كذلك لذة الخلاص، دوما مبكية.. أبدا ممزقة للأوصال

أنا اليوم فى قمة سعادتى لكن شعورى بالاختناق هذا من أين يأتى؟.. و لم لا يذهب؟


لأول مرة لا تمزقنى الغرابة و أنا فى زفاف إحدى صديقاتى. فهو جالس إلى جوارى تماما. يده مستريحة على يدى تماما و أغنيات الزفاف الكلاسيكية لا تبدو بلهاء تماما

و لكن الأهم من هذا كله.. شعورى بالاختناق هذا من أين يأتى؟.. و لم لا يذهب؟

حصلت اليوم على ترقيتى الأهم .. أعشق عملى. أنجح فى تحطيم أعصاب المنافسين بدون ذلة واحدة ملحوظة فى أسلوبى. صرت كأحد مسدسات سميث و ويسون كما يحب أن يصفنى رئيسى فى العمل المهووس بالاسلحة

كل هذا جميل.. كله رائع.. لكن لم الاختناق؟

"فقدان نطق هستيرى.. و على حسب كلام حضرتك هى أكيد فقدت جزء من الذاكرة كمان.. وفاة جوزها عامل أساسى طبعا.. يمكن تستعيد قدرتها على النطق كاملة بالوقت.. يمكن لأ"
-ده إيه ياض النصاحة دى؟-
أقولها بداخلى فأبتسم بمرارة رغما عنى ليعتقد الطبيب الأبله أن ابتسامى جزء من الهستيريا التى ألمت بى

الدموع محبوسة فى عينى أمى.. تحكى لى عن أشياء عدة فى طريق العودة إلى منزلى لتسرى عنى.. و لكن من قال أننى حزينة لفقدى صوتى.. أنا فقط حزينة لأنها حزينة

شعورى بالاختناق لم لا يذهب؟

رقصة لطيفة على أنغام لا يسمعها أحد سوانا

ما الذى يمكن أن يفوق هذا فى العالم كله سوى الاختناق الذى لا يذهب بعيدا؟


" اللهم ثبتها عند السؤال"
الاختناق يزداد.. أطرافى تبدو و كأنها مثبتة بشريط لاصق لجسدى. عيناى تنفتحان بالكثير من العسر و لا أشعر سوى ببعض من الضوء المحجوب

"اللهم نقها من خطايها كما تنقى الثوب الأبيض من الدنس"

تلك الرائحة المكتومة !... أين شممتها من قبل؟

حُلم سخيف هذا؟.. 
حسنا سأنام قليلا حتى يذهب بعيدا

"و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين"

 أفيق و أحاول التحرك فأزحف كالدودة..  أحاول أن أبعد يدى اليمنى عن جسدى و لكننى لا أستطيع

!تلك الأصوات الحزينة التى صارت بعيدة

!هذه الرائحة

الآن أفهم.. الآن أترجرج من الضحك

أضحك حتى أشعر بقماش الكفن يتشرب دموعى

"هاااااااااااااا...........ها...يا خرابى على الضحك...هااا هااا هاااااا"


ساعة
جوع


عشرة أو ما يقرب هذا من الزمن
عطش

 عشرون أو ما بدا كذلك

ضحك

يوم ..يومين.. ربما أقل
المزيد من الضحك


 الضحك المكتوم يجعل التنفس وسط كل هذا القماش شديد الصعوبة بالفعل .. و لكن لا يهم


 أشعر بوعيى ينسحب بعيدا ببطء و معه بقايا الضوء المحجوب

الهس...تيريا .. رائعة..... فعلا

فعلا

Sunday 25 August 2013

تدوينة 121

ما بعد منتصف الليل بقليل.. إضاءة الغرفة خافتة جدا.. قطتى مستلقية على ظهرها إلى جوارى و متوسدة قدمى.. شعرى متناثر حول رأسى و السماعات تغلف أذنىّ باحكام.. نملة مقاتلة تعبر سريرى فى إصرار متوجهة إلى مكان ما. المروحة تمارس عملها فى جعل جو الغرفة أرحم. الجميع فى بيتى استسلم للنوم إلاى -على قولة الست فيروز-..كل شئ يبدو هادئ .. لذا سأثرثر

عن أى شئ؟... لا أعرف بعد. أمامى أقل من ساعة لأذهب إلى النوم.. و أقل من ساعة هو وقت أقل من اللازم لفعل أى شئ

توتا -قطتى- تحرك ذيلها فى عصبية. عيناها مفتوحتان إلى نصفيهما تقريبا و جفنها الرامش يتحرك فى سرعة تبدو لمن لا يعلم أنها تحلم مخيفة. تتقلص فى خفة و يبدو عليها القلق و التحفز. تقاتل قطا ما من الواضح. أربت على جانبها و أضم ساقيها إلى بعضهما لأغطى بطنها المكشوف لاعتقادى أن هذا سيعزز من موقفها القتالى. بطن القط هى نقطة ضعفه الأبرز. تصدق نظريتى عندما تهدأ قليلا و يعود تنفسها للانتظام.


عم كنا نتحدث؟.. لاشئ؟.. حسنا. لنكمل إذا

آاا.. استيقظت للتو.. يبدو أن التدوينة ستكون عنها اليوم..لامؤاخذه يعنى .. تعلو وجهها ابتسامة ما أو هكذا تعتقد كل سيدة قطط مخرفة مثلى. أقبلّها فتخمش أنفى فى دلال ثم تعض إصبع قدمى و تكمل نومها كأن شيئا لم يكن

هل أحدثكم عن العزلة؟ ..  سقمى الذى لا أنوى التخلص منه.. أم أحدثكم عن الوحدة التى لا تلبث أن تتحول بالوقت إلى توحد يصعب معه أن تستلطف فعلا رفقة أحدهم

الأشخاص و الأشياء التى تفرغ روحك من الروح كلما اقتربت منك؟

تؤ.. لندع الأحاديث التى تبدو حزينة لوقت لاحق

أم أحدثكم عن أننى تجاوزت موعد نومى و سأبدو كأحد شمامى الكلة فى الصباح؟

الحديث عن افتقادى للشتاء و شكشك يبدو حديثا محببا 

الحديث عن حاجتى للجلوس بجوار أحدهم و إخراج كل ما فى جعبتى من حديث و استنتاجات و تنظيرات و أمنيات بدون أدنى مقاطعة أو ردود غبية يبدو فى غاية اللطف أيضا

أحدثكم عن ولعى الغريب بالخواتم الفضية من الحقبة السلتية أم عن خوفى من الإصابة ب"ألزايمر"؟


ثلاث دقائق و تنتهى مهلة (الأقل من ساعة) .. سأذهب للنوم ربما و لنؤجل نشاط الحديث -المخيف هذا- إلى وقت لاحق

Tuesday 13 August 2013

تخاطيف

صحتى تحسنت كثيرا.. عاد الانتظام إلى نومى أو هكذا أعتقد

عادت عادتى الليلية فى الطهو ثم الجلوس للأكل بمزاج و ليذهب الكرش الذى أخشاه إلى الجحيم

مساحتى الشخصية تعود بالتدريج و تعود معها قدرتى على الكتابة و الثرثرة

عدت للجلوس على سور الدور الرابع و دلدلة ساقىّ فى إتجاه الشارع مرتدية بنطالى المنقط.. وطظ فى الجيران

مش حلو الناس تدور فى فلكك على طول .. مش حلو تدور فى فلك الناس على طول

البؤس لم يذهب بعيدا .. و المشكلات ما زالت تتراكم لكن يبدو أن أسلوب تعاملى معها صار أفضل.. أو أسوأ..لا أدرى حقا ..لنقل أننى توقفت عن التشنج و صرت أهدأ فى التعامل مع الكثير من الأشياء

عايزه أتصور صورة حلوة.. رايقة.. مش ضرورى أبقى مبتسمة إبتسامة متكلفة أو إبتسامة صورة من اللى بيروحوا مصالح حكومية.. بخاف من التصوير و ما بحبوش.. يمكن عشان روحى مش مربوطة بروح اللى هيصورنى أو يمكن عشان أنا متأكدة إنه مش هيطلعنى شبهى أو شبه اللى أنا حاساه

لا أعلم لم توقفت عن سؤال الله دخولى الجنة.. صرت أطلب منه معرفته و محبته ..بس ده مش هينفى يعنى إنى طمعانة فى حياة أخرى لطيفة

السكينة و البصيرة يا رب.. و إنى أقدر أسند أهلى زى ما همّا سندونى و أبقى سبب فى فرحة و لو صغيرة ليهم

أشوف سيدنا النبى فى المنام و أتكلم معاه.. لو ينفع يعنى

رائحة الكمان و أنا أخرجه من الصندوق .. تجعل الفراشات تتزاحم فى معدتى


مش شاطرة خالص لسه فى لعب الكمان.. بس مبسوطة

ما أجيش على نفسى للدرجة اللى تخلينى أبقى شبه اللى بخاف منه.. آمين

لم أعد أريد شيئا مضمونا.. لم أعد أريد شيئا سيبقى و لم أعد أريد الإمساك بكل الخيوط.. أريد أن أمسك بما أريد و أحتاج منها فقط

Damage control .. محتاجة دوا بالاسم ده و هاتعاطاه و هامسّى بيه على حبايبى زى ما الناس بتعزم على بعض بسجاير بالظبط

ما بقتش عايزه أجرى عشان ألحق

زهدت الأسى على ما فات و عقدت سلمى معه تقريبا

عايزه أبطل أدور على حاجات باستماتة إلا لو عارفة إنها تستاهل و إنها مالهاش بديل

الرواية مش عايزه تكمل .. و ما أعرفش هتكمل ولاّ لأ .. بس مش مستعجلة.. أنا عايزه أرجع أستمتع بالكتابة زى زمان و كفى.. ما عنديش حاجة أثبتها لحد على العموم أو هكذا أظن


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ملحوظة على جنب

قد يبدو الكلام ما يخصكش عزيزى القارئ.. لكنه يخصنى و جدا

مساء/صباح/تصبحوا على خير

Thursday 8 August 2013

الحــالة

ثالث كشاف يتوقف عن العمل فى أقل من نصف ساعة..المبنى عتيق منذ أيام الإحتلال الانجليزى، لا إضافات جديدة له سوى بعض اللوحات الإرشادية الرخيصة و الكشافات الصينية الأكثر رخصا

أتأمل السقف فى نفاذ صبر. أناجى الله من بين أسنانى، أريح رأسى للوراء و أستند بظهرى إلى الحائط و أغلق عينىّ لثوان ثم أفتحهما على أنين طرقات المبنى أسفل خفى الممرضة التى أخذت تشق طريقها زحفا نحو ما أعتقد أنه إستراحة الأطباء

 تقف قليلا لتعدل من وضع غطاء رأسها ثم تكمل زحفها وصولا للباب ..تغيب بالداخل لثوان ثم تخرج مردفة طبيب مشعث الشعر ملوث الثياب منتفخ العينين

"تتظاهر بالجرى و هى تشرح له بعض الأشياء فى سرعة ثم تختمها ب "كويكلى يا دكتور..الحالة بتّداى

أقف أنا هناك بلا فكرة واضحة عما يحدث .. يعنى إيه "بتّداى؟" دى و حالة إيه؟..أتنبه لضربة قوية بعض الشئ فى كتفى تبعتها شعور بسخونة تتسلل من أعلى بنطالى لأسفله..أمامى ممرض زائغ العينين يبدو صغير السن ممسك بنونية فراش أحد المرضى و يبدو أنه فى طريقه إلى دورة المياه للتخلص مما فيها

"إيه ده؟... بول؟؟"..."إنت إزاى تمشى بالأرف ده فى وسط المستشفى كده"

ينسحب الممرض ماضيا فى طريقه و يتركنى للغثيان وحدى. سقف الممر غير ثابت و الأرض كذلك بدأت فى التحرك.

أتحسس طريقى إلى باب غرفة العناية المركزة فى محاولة أخيرة لأطمئن على أخى فتمنعنى الممرضة بجسدها الضخم من الدخول..جسدها يذكرنى بالمرأة التى كانت تقتنى توم القط لولا أن هذه أشرس قليلا.

مش هتشوفه دلوقتى" هكذا قالت، ثم اختلج وجهها غليظ الملامح و أغلقت الباب فى وجهى"


رائحتى مقززة..قدماى منهكتان..رأسى محملة بكل قهوة العالم و لا تنقصنى ذرة واحدة من الحزن

يعود الممرض للمرور أمامى من جديد، أرمقه بغيظ، يأتى معتذرا طالبا منى بنطالى ليغسله بنفسه. أتململ و أزيد على رفضى بالسباب ثم أتولى عنه لأجلس على السلم المقابل . لو مُت هنا و الآن لكان الأمر أكثر من المريح

صوت الممرضة مناديا إسمى يثقب أذنى.. أقوم من مكانى لتعاجلنى ب"البقاء لله.. إطلع على الحسابات خلص معاهم و إنزل إستلم الجثة و إخلى طرفه من المستشفى.. شد حيلك"

. قدماى تخذلانى لأعاود الجلوس .. لقد مات و لا يوجد على الأرض ما قد يغير من هذا